حنان ثلج و قسوة مطر
ندفه من الثلج تسقط من السماء البيضاء لتداعبها الريح يمنةً ويسرة , تسقط ببطءٍ كأنها تراقص الغيوم بترنحها .. حتى وصلت لمقصدها عند شرفات أحد الفنادق لتهبط فوق شعرات برونزية لفتاة في منتصف العشرينات من عمرها .
لم تكن بالطويلة ولا بالقصيرة , بشرتها السمراء التي أكسبت توّرد وجنتيها سحراً مميزاً كأنهما وردتان تسقطان من السماء في ظلمة الليل .
في نفس اللحظة دخل شخص من باب الغرفة بهدوءٍ تام .. مشى فوق أطراف أصابعه حتى وصل إليها , بحركة خفيفة وسريعة وضع يداه على عيناها وقال بصوت يشوبهُ المرح : من تتوقعين أن أكون ؟
أجابته بنفس الوتيرة : الرجل الذي ترك زوجته ثلاث ساعات لوحدها في شهر العسل . ابتسما ثم قبل رأسها : لن يعيدها هذا الرجل مرةً أخرى .. ثم أردف : إن العمر ينتهي والعمل لا ينتهي . فأومأت إيماءة حزينة على ذلك .
قالت : انظر لجمال الثلج! منذ كنت طفلة وأنا أحلم برؤيته يتساقط أمامي .. أجابها وهو يمسح شعراتها بيده : حسناً .. حلمك تحقق ولكنه مختلف قليلاً .. أنه يتساقط فوق رأسك الآن! , دفعته بلطف وهي تبتسم .
"ما هذا الذي بيدك ؟" سألته مستغربةً .
رسائل وصلتني , لا بد بأنها رسائل تهنئة وما شابه , ضحك ضحكة خفيفة .. " بالرغم من جميع وسائل التواصل الحديثة ما زال الناس يستخدمون هذه الرسائل الورقية" قالها وهو يفتح أحدها . بينما قامت هنادي من كرسيها لتعد شيئاً للأكل .
سألته : "هل تريد أن تأكل ..." لم تكمل جملتها عندما رأت تغير ملامح وجهه , سألته ثانيةً : ماذا بك ؟ هل هناك خطب بالرسالة ؟
لم يجبها إلا بكلماتٍ غير مسموعة دمدمها منزعجاً . مزّق الرسالة ورماها , وجلس على سريره واضعاً وجهه في راحة يديه .
اقتربت منه ... "خالد , ألم تسمعني ؟"
"نـ..نعم ؟ لم أكن منتبهاً .. عذراً "
"ماذا في الرسالة ؟" قالتها وهي تزيح يديه من وجهه .
" لا شيء مجرد ضغوط عمل" .
طرحته على السرير ممدداً وقالت وهي ممسكة بيديه : "هل هذه الضغوطات ستزعج الرجل الذي يتأخر عن زوجته دوماً ؟"
قال بعد أن رجعت ملامح وجهه وابتسم ابتسامةً كأنما التعب كله انزاح منها : "حسناً ... هذا يعتمد على ما ستفعله زوجته الآن!"
******************
"هل جميع الحقائب جاهزة؟"
"هناك ملابسي التي اشتريتها فقط , سوف أضعها في الحقيبة حالاً".
قال لها "هل تحتاجين لمساعدة" أجابته بالنفي فأردف قائلا " حسناً .. سوف اذهب لدفع حساب الفندق إذن"
- "شكراً لتعاونك سيدي" قالت موظفة الاستقبال .
- شكراُ لكي .
- أعتقد أنكما زوجان سعيداً حقا .
- المعذرة ؟
- قلت .. أنكما من أكثر الأزواج سعادة رأيتهما في الفندق .
- آه .. هذا من لطفك يا آنسة , شكراً لكي .
خالد رجل في الأربعينات من عمره ... لم يكن به ما يميزه كثيراً عن أبناء عمره سوى ابتسامته التي تعيده عشرين سنة للوراء . صاحب منصب سياسي مرموق في بلده , منصبه الذي شغله عن الزواج حتى وقت قريب ليكون النصيب لهنادي بعد أن فشل زواجه الأول , حتى أن منصبه هذا جعل شهر عسله يتأخر عن موعده أكثر من مرة . بالرغم من أن زواجهما لم يكون غير زواجاً تقليدياً إلا أن كلا الطرفين عشقا بعضهما خلال الفترة التي جمعت بينهما وكأن حبهما نشأ من صغرهما .
لم يفكر خالد فيما قالته موظفة الاستقبال على أنه لا يزيد عن الكلام الذي تقول كل يوم للزبائن , إلا انه تمنى أن يكون تفكيره مخطئاً .
******************
بينما كانت هنادي تضع ملابسها رنّ هاتفها النقال . فذهبت لالتقاطه فإذا باسم [أمي الغالية] على شاشة هاتفها .
- أهلا يا ابنتي الغالية .. كيف هي أحوالك ؟
- بخير يا أمي ... ماذا عنك وعن الفتيات الصغار ؟
- نحمد الله على كل حال .. ما هو حال زوجك ؟
- بخير , إنه ينتظرني في الأسفل . نحن عائدان للديار .
- وهل كان يذهب لينهي عمله كالعادة ويتركك لوحدك ؟
- أمي! ... تعرفين ما هي طبيعة عمله .
- يا لهذا الزوج الذي يترك زوجته وحيدة كل يوم في شهر عسلهما .
- .............
- هنادي ؟ ماذا بك ؟
- لا شيء يا أمي .. لا شيء .
- حسناً ... لا يهم , هل عاودك ألم المرض من جديد ؟
- لا .. الحمد لله .
- لا تنسي أن تأخذي الأدوية عندما لا يذكرك هذا الزوج به .
- لا تقلقي يا أمي .. كما أنه هو نفسه أحرص مني على أخذ دوائي .
- لا أطيل عليك إذاً .. تصلين بالسلامة .
في الطائرة لاحظ خالد انزعاج زوجته " هل هناك شيء يضايقك يا حبيبتي ؟"
بعد فترة صمت قصيرة ... التفت إليه ووضعت نظرها نصب عينيه لفترة و قبلت خده قائلةً " لا شيء على الإطلاق يا عزيزي "
******************
"حسناً , ما رأيك ؟" قالها لها بعد أن أراها خطة الأسبوع لتمضيته معها في أماكن متفرقة في البلاد المجاورة .
ارتمت على صدره وقالت " أفضل خطة أسبوع في العالم!" وهمت بأن تكمل " و لكن .... "
" ولكن ماذا ؟ "
"لا .. لا شيء"
إذا استعدي غداً لبداية أفضل خطة أسبوع في العالم!
جاء اليوم التالي ولم يتعرض شيئاً لما خططا له , حتى ...
إنها الساعة التاسعة صباحاً .. تفتح هنادي عيناها لترى ابتسامته أمامها .
" هل أميرتي على استعداد لتمرح؟"
قامت و اتكأت على مقدمة السرير و هزت رأسها يتحامل .
في لحظة قيامه من السرير رنّ هاتفه النقال , توقف فجأة .. نظر إلى هنادي نظرة خوفٍ من ردة الفعل ... أخذ هاتفه وأجاب .
وكل ما كنت تفعله هنادي هو أن تدعو ألا يكون هناك شيء يفسد عليهما يومهما .
" حسناً .. حسناً , سوف أكون هناك" قال منهياً المكالمة .
ذهب إلى السرير وأمسك يديها وقال بصوتٍ حزين :
" هنادي .. أنا ...."
"لا عليك .. أنا أتفهم الموقف"
" أنا ... – تغيرت نبرة صوته إلى صوتٍ مرح- لن أذهب إلى العمل اليوم!"
" يا .." قالت ضاحكةً وهي تضربه بالوسادة .
" هيا إذا قومي لنبدأ رحلتنا "
ذهبت لتغتسل بينما كان خالد يتصفح الإنترنت ليرى رسائله الجديدة , هناك واحدة .. دخل ليقرأها .
" خالد .. حبي و نقطة ضعفي ..
اليوم يبدأ فصل جديد من عذابي ...
وتشتعل شعلة أخرى من نار انت أشعلتها ، و زعمت انك على حق ... حين طلقتني ، اليوم هو عيد زواجنا ..
الارجح انك لا تذكر ، تبّاً لك و للبلهاء التي فضلتها علي !!
التوقيع :
نهى .. "
"يا ألهي! .. لو ترى ما الذي تكتبه , رجعت وكأنها مراهقة صغيرة!"
بينما انسلت هنادي من ورائه قائلة : " هل سنذهب الآن"
" نعم .. هيا بنا"
كان الأسبوع هو أكثر الأسابيع سعادةً لهنادي , من قرية الثلج ذهبا وكأنهما شابان صغيران مروراً بالجزر المائية المريحة إلى أفضل المطاعم الموجودة في البلاد .. متنقلين هنا وهناك وسط ضحكاتها الساحرة وسعادتها الغامرة .
******************
بعد شهر
"هل يجب عليك الذهاب إلى هذا سفر؟"
"نعم يا عزيزتي .. أسبوع و سأكون بقربك"
ريح هادئة حركت ستائر النافذة لتدخل أشعة شمس الصباح للغرفة بينما فتح الباب ليهم بالخروج,فجأةً .. رمى حقائبه و قال بصوت لا يكاد يكون مسموعاً وهو مولياً ظهره لها " أعتقد أنكما زوجان سعيداً حقا.. ها" التفت إليها .. اقترب .. وهو يراها تحاول أن تغالب الدمعة التي تسقط من عيناها .. حضنها وقبّل رأسها , مسح الدمعة عن عيناها ...
" أنا آسف .. " زفرة زفرةً طويلة وتابع " لا أدري ما الذي أفعله حقاً ؟" حضنته بكامل قوتها وهي لا تريد منه أن يفلت منها "أحبك"
" وأنا أيضاً يا عزيزتي .. وأنا أيضاً ...."
مر أسبوع وحالة هنادي ازدادت سوءاً فجأة ..
أحست بالألم يجري فيها , هي وحيدةً في بيتها مع الخدم ... لا تعرف من تكلم , وبمن تتصل .. لم يخطر في بالها سوى شخص واحد . التقطت هاتفها لمحادثته لم تكمل ضغطة زر الاتصال حتى سقطت مغشياً عليها . بينما الصوت المنبعث من سماعة الهاتف كان "إن الرقم الذي طلبته غير موجود في الخدمة الآن .."
داخل قاعة المؤتمرات داخل أحد ناطحات السحب في شيكاغو
" وعند هذا الحد يجب نراعي ..." دخل شخص من الباب وقال " عذرا .. ولكن سيد خالد هناك مكالمة ضرورية لك"
المتصل كانت أم هنادي , قالت منفعلة :
- أين أنت! .. ألا تتقي الله في امرأتك يا .. .
- اهدئي يا أم هنادي .. قول لي ما الذي حصل .
- هنادي يا ظالم!
- ماذا بها ؟
- إنها في المستشفى .. لقد ....
- ......
- آلو ؟ خالد ؟ خالد!
- ............
لم يجيبها إلا الصمت القاتل ...
ندفه من الثلج تسقط من السماء البيضاء لتداعبها الريح يمنةً ويسرة , تسقط ببطءٍ كأنها تراقص الغيوم بترنحها .. حتى وصلت لمقصدها عند شرفات أحد الفنادق لتهبط فوق شعرات برونزية لفتاة في منتصف العشرينات من عمرها .
لم تكن بالطويلة ولا بالقصيرة , بشرتها السمراء التي أكسبت توّرد وجنتيها سحراً مميزاً كأنهما وردتان تسقطان من السماء في ظلمة الليل .
في نفس اللحظة دخل شخص من باب الغرفة بهدوءٍ تام .. مشى فوق أطراف أصابعه حتى وصل إليها , بحركة خفيفة وسريعة وضع يداه على عيناها وقال بصوت يشوبهُ المرح : من تتوقعين أن أكون ؟
أجابته بنفس الوتيرة : الرجل الذي ترك زوجته ثلاث ساعات لوحدها في شهر العسل . ابتسما ثم قبل رأسها : لن يعيدها هذا الرجل مرةً أخرى .. ثم أردف : إن العمر ينتهي والعمل لا ينتهي . فأومأت إيماءة حزينة على ذلك .
قالت : انظر لجمال الثلج! منذ كنت طفلة وأنا أحلم برؤيته يتساقط أمامي .. أجابها وهو يمسح شعراتها بيده : حسناً .. حلمك تحقق ولكنه مختلف قليلاً .. أنه يتساقط فوق رأسك الآن! , دفعته بلطف وهي تبتسم .
"ما هذا الذي بيدك ؟" سألته مستغربةً .
رسائل وصلتني , لا بد بأنها رسائل تهنئة وما شابه , ضحك ضحكة خفيفة .. " بالرغم من جميع وسائل التواصل الحديثة ما زال الناس يستخدمون هذه الرسائل الورقية" قالها وهو يفتح أحدها . بينما قامت هنادي من كرسيها لتعد شيئاً للأكل .
سألته : "هل تريد أن تأكل ..." لم تكمل جملتها عندما رأت تغير ملامح وجهه , سألته ثانيةً : ماذا بك ؟ هل هناك خطب بالرسالة ؟
لم يجبها إلا بكلماتٍ غير مسموعة دمدمها منزعجاً . مزّق الرسالة ورماها , وجلس على سريره واضعاً وجهه في راحة يديه .
اقتربت منه ... "خالد , ألم تسمعني ؟"
"نـ..نعم ؟ لم أكن منتبهاً .. عذراً "
"ماذا في الرسالة ؟" قالتها وهي تزيح يديه من وجهه .
" لا شيء مجرد ضغوط عمل" .
طرحته على السرير ممدداً وقالت وهي ممسكة بيديه : "هل هذه الضغوطات ستزعج الرجل الذي يتأخر عن زوجته دوماً ؟"
قال بعد أن رجعت ملامح وجهه وابتسم ابتسامةً كأنما التعب كله انزاح منها : "حسناً ... هذا يعتمد على ما ستفعله زوجته الآن!"
******************
"هل جميع الحقائب جاهزة؟"
"هناك ملابسي التي اشتريتها فقط , سوف أضعها في الحقيبة حالاً".
قال لها "هل تحتاجين لمساعدة" أجابته بالنفي فأردف قائلا " حسناً .. سوف اذهب لدفع حساب الفندق إذن"
- "شكراً لتعاونك سيدي" قالت موظفة الاستقبال .
- شكراُ لكي .
- أعتقد أنكما زوجان سعيداً حقا .
- المعذرة ؟
- قلت .. أنكما من أكثر الأزواج سعادة رأيتهما في الفندق .
- آه .. هذا من لطفك يا آنسة , شكراً لكي .
خالد رجل في الأربعينات من عمره ... لم يكن به ما يميزه كثيراً عن أبناء عمره سوى ابتسامته التي تعيده عشرين سنة للوراء . صاحب منصب سياسي مرموق في بلده , منصبه الذي شغله عن الزواج حتى وقت قريب ليكون النصيب لهنادي بعد أن فشل زواجه الأول , حتى أن منصبه هذا جعل شهر عسله يتأخر عن موعده أكثر من مرة . بالرغم من أن زواجهما لم يكون غير زواجاً تقليدياً إلا أن كلا الطرفين عشقا بعضهما خلال الفترة التي جمعت بينهما وكأن حبهما نشأ من صغرهما .
لم يفكر خالد فيما قالته موظفة الاستقبال على أنه لا يزيد عن الكلام الذي تقول كل يوم للزبائن , إلا انه تمنى أن يكون تفكيره مخطئاً .
******************
بينما كانت هنادي تضع ملابسها رنّ هاتفها النقال . فذهبت لالتقاطه فإذا باسم [أمي الغالية] على شاشة هاتفها .
- أهلا يا ابنتي الغالية .. كيف هي أحوالك ؟
- بخير يا أمي ... ماذا عنك وعن الفتيات الصغار ؟
- نحمد الله على كل حال .. ما هو حال زوجك ؟
- بخير , إنه ينتظرني في الأسفل . نحن عائدان للديار .
- وهل كان يذهب لينهي عمله كالعادة ويتركك لوحدك ؟
- أمي! ... تعرفين ما هي طبيعة عمله .
- يا لهذا الزوج الذي يترك زوجته وحيدة كل يوم في شهر عسلهما .
- .............
- هنادي ؟ ماذا بك ؟
- لا شيء يا أمي .. لا شيء .
- حسناً ... لا يهم , هل عاودك ألم المرض من جديد ؟
- لا .. الحمد لله .
- لا تنسي أن تأخذي الأدوية عندما لا يذكرك هذا الزوج به .
- لا تقلقي يا أمي .. كما أنه هو نفسه أحرص مني على أخذ دوائي .
- لا أطيل عليك إذاً .. تصلين بالسلامة .
في الطائرة لاحظ خالد انزعاج زوجته " هل هناك شيء يضايقك يا حبيبتي ؟"
بعد فترة صمت قصيرة ... التفت إليه ووضعت نظرها نصب عينيه لفترة و قبلت خده قائلةً " لا شيء على الإطلاق يا عزيزي "
******************
"حسناً , ما رأيك ؟" قالها لها بعد أن أراها خطة الأسبوع لتمضيته معها في أماكن متفرقة في البلاد المجاورة .
ارتمت على صدره وقالت " أفضل خطة أسبوع في العالم!" وهمت بأن تكمل " و لكن .... "
" ولكن ماذا ؟ "
"لا .. لا شيء"
إذا استعدي غداً لبداية أفضل خطة أسبوع في العالم!
جاء اليوم التالي ولم يتعرض شيئاً لما خططا له , حتى ...
إنها الساعة التاسعة صباحاً .. تفتح هنادي عيناها لترى ابتسامته أمامها .
" هل أميرتي على استعداد لتمرح؟"
قامت و اتكأت على مقدمة السرير و هزت رأسها يتحامل .
في لحظة قيامه من السرير رنّ هاتفه النقال , توقف فجأة .. نظر إلى هنادي نظرة خوفٍ من ردة الفعل ... أخذ هاتفه وأجاب .
وكل ما كنت تفعله هنادي هو أن تدعو ألا يكون هناك شيء يفسد عليهما يومهما .
" حسناً .. حسناً , سوف أكون هناك" قال منهياً المكالمة .
ذهب إلى السرير وأمسك يديها وقال بصوتٍ حزين :
" هنادي .. أنا ...."
"لا عليك .. أنا أتفهم الموقف"
" أنا ... – تغيرت نبرة صوته إلى صوتٍ مرح- لن أذهب إلى العمل اليوم!"
" يا .." قالت ضاحكةً وهي تضربه بالوسادة .
" هيا إذا قومي لنبدأ رحلتنا "
ذهبت لتغتسل بينما كان خالد يتصفح الإنترنت ليرى رسائله الجديدة , هناك واحدة .. دخل ليقرأها .
" خالد .. حبي و نقطة ضعفي ..
اليوم يبدأ فصل جديد من عذابي ...
وتشتعل شعلة أخرى من نار انت أشعلتها ، و زعمت انك على حق ... حين طلقتني ، اليوم هو عيد زواجنا ..
الارجح انك لا تذكر ، تبّاً لك و للبلهاء التي فضلتها علي !!
التوقيع :
نهى .. "
"يا ألهي! .. لو ترى ما الذي تكتبه , رجعت وكأنها مراهقة صغيرة!"
بينما انسلت هنادي من ورائه قائلة : " هل سنذهب الآن"
" نعم .. هيا بنا"
كان الأسبوع هو أكثر الأسابيع سعادةً لهنادي , من قرية الثلج ذهبا وكأنهما شابان صغيران مروراً بالجزر المائية المريحة إلى أفضل المطاعم الموجودة في البلاد .. متنقلين هنا وهناك وسط ضحكاتها الساحرة وسعادتها الغامرة .
******************
بعد شهر
"هل يجب عليك الذهاب إلى هذا سفر؟"
"نعم يا عزيزتي .. أسبوع و سأكون بقربك"
ريح هادئة حركت ستائر النافذة لتدخل أشعة شمس الصباح للغرفة بينما فتح الباب ليهم بالخروج,فجأةً .. رمى حقائبه و قال بصوت لا يكاد يكون مسموعاً وهو مولياً ظهره لها " أعتقد أنكما زوجان سعيداً حقا.. ها" التفت إليها .. اقترب .. وهو يراها تحاول أن تغالب الدمعة التي تسقط من عيناها .. حضنها وقبّل رأسها , مسح الدمعة عن عيناها ...
" أنا آسف .. " زفرة زفرةً طويلة وتابع " لا أدري ما الذي أفعله حقاً ؟" حضنته بكامل قوتها وهي لا تريد منه أن يفلت منها "أحبك"
" وأنا أيضاً يا عزيزتي .. وأنا أيضاً ...."
مر أسبوع وحالة هنادي ازدادت سوءاً فجأة ..
أحست بالألم يجري فيها , هي وحيدةً في بيتها مع الخدم ... لا تعرف من تكلم , وبمن تتصل .. لم يخطر في بالها سوى شخص واحد . التقطت هاتفها لمحادثته لم تكمل ضغطة زر الاتصال حتى سقطت مغشياً عليها . بينما الصوت المنبعث من سماعة الهاتف كان "إن الرقم الذي طلبته غير موجود في الخدمة الآن .."
داخل قاعة المؤتمرات داخل أحد ناطحات السحب في شيكاغو
" وعند هذا الحد يجب نراعي ..." دخل شخص من الباب وقال " عذرا .. ولكن سيد خالد هناك مكالمة ضرورية لك"
المتصل كانت أم هنادي , قالت منفعلة :
- أين أنت! .. ألا تتقي الله في امرأتك يا .. .
- اهدئي يا أم هنادي .. قول لي ما الذي حصل .
- هنادي يا ظالم!
- ماذا بها ؟
- إنها في المستشفى .. لقد ....
- ......
- آلو ؟ خالد ؟ خالد!
- ............
لم يجيبها إلا الصمت القاتل ...