بقلم د. محمد أبوالغار ٢٤/ ١٠/ ٢٠١٠
لماذا أصبحنا ملطشة؟
خلال العقود الثلاثة الماضية تدهور وضع المصريين خارج وداخل بلادهم بشكل غير معقول، ففى دول الخليج يتقاضى المصرى أقل أجر فى وظيفة معينة يؤديها بنفس الكفاءة والمؤهلات مواطن لبنانى أو سورى أو فلسطينى. وبالطبع فإن الأوروبى أو الأمريكى بغض النظر عن كفاءته يتقاضى خمسين ضعفاً لما يتقاضاه المصرى.
وقد يعتقد البعض أن الموضوع له علاقة بالكفاءة والخبرة والتعليم ولكن هذه ليست الحقيقة دائماً، لأنه تكرر مرات كثيرة أن إحدى الشركات الأمريكية أرسلت أمريكياً من أصل مصرى للعمل فى الخليج بالراتب الأمريكى وعندما يكتشف أشقاؤنا فى الخليج أن أصله مصرى يقومون بتخفيض الراتب إلى الربع، ويغضب المصرى -الأمريكى، ويعود إلى أمريكا ويصر أهل الخليج على حضور أمريكى ليست له جذور مصرية، وإنما ممكن أن تكون له جذور صينية أو يابانية أو هندية أو أفريقية، ولكن مصرى لا وألف لا.
المصريون الذين يقفون أمام السفارات الغربية بالطوابير، ويعاملون معاملة غير آدمية فى كثير من الأحيان ليس لهذا تفسير معقول، لأن الأمر لا يحدث فى دول شمال أفريقيا العربية ولا فى باقى البلاد العربية. إذن المشكلة تخص المصريين بالذات.
تحدث معركة أو خناقة فى مباراة لكرة القدم فى مصر أو فى دولة عربية، وفى معظم الأحوال يكون المصريون مظلومين، وفى جميع الحالات يتم الاعتداء على المصريين، وفى النهاية تتنازل الدولة عن حقوق المصريين.
المستثمر العربى فى مصر محمول على الأعناق، ويتم اختراع عقود إذعان لصالحه ويتم تسليمه أجود الأراضى والمواقع بأبخس الأثمان، وطلبه يجاب، وبعلاقات بسيطة يفعل ما يشاء فى هذا الوطن الذى يبدو أنه مستباح، وباتصالات عليا يحُلّ جميع مشاكله وتجاوزاته ويضرب بجميع القوانين واللوائح عرض الحائط.
والمستثمر المصرى خارج مصر إما أنه غير مسموح له بالاستثمار إلا مع وجود كفيل يأخذ معظم الأرباح، ويمكن أن يطرده فى لحظة ولا يستطيع أن يفعل شيئاً ولا يجد سفيراً يساعده ولا دولة تدافع عنه، أو مستثمر فى شمال أفريقيا فتقرر الدولة المضيفة أن تستولى على الاستثمارات أو توقع عليه غرامات وعقوبات ظالمة، بغض النظر هل هو قطاع خاص أم قطاع عام كما حدث مع أوراسكوم الشركة الخاصة والمقاولون العرب وهى قطاع عام، ولا أحد يستطيع أن يفتح فمه أو يتكلم عن حقوقه أو حقوق الشعب المصرى، وحين اندمج ساويرس مع شركة روسية عملاقة كان يعرف جيداً أن الشركة سوف تعود إليها حقوقها حين تصبح الشركة روسية وليست مصرية.
كان الأخ الأصغر فى عائلة ساويرس يملك شركة ضخمة لصناعة الأسمنت فى الجزائر، ولما شعر بأنه معرض فى المستقبل لضغوط غير عادية أدمج شركته مع شركة فرنسية ضخمة فأسقط فى يد الجزائر بعد أن أصبح ساويرس الأصغر بعيداً عن مرمى هجومهم، وهذا أغاظ الجزائريين بشدة، لأن هذا المصرى أفلت من تحت أيديهم.
المصريون الذين ساهموا فى بناء ليبيا يطردون فى لحظة. إذا حدث أى خلاف بين مصرى ومواطن من أهل البلد العربى أو من أى دولة أخرى فالمصرى دائماً المخطئ.
حين تحدث جريمة قتل فى الإمارات تضغط الدولة هناك على مصر للقبض على المتهمين ومحاكمتهم بالرغم من أن أحدهم من أهم وأغنى الشخصيات وجزء أساسى من الحزب الحاكم، بينما حين يقود شاب قطرى سيارته فى سباق منظم، وفى حضور مشجعين فى طريق المطار ويدهس الأمير القطرى كبشة مصريين يتم ترحيله فى طائرة خاصة فى ظرف ساعات، ويغمض الأمن عينيه عن كل شىء، وهو القادر على سماع دبيب النملة إذا كان الموضوع يتعلق بأمن النظام، أما حياة المصريين فهى أمر ليس له أهمية.
إذا تاه مركب فى البحر الأحمر أو سيارة فى الصحراء، وتم إبلاغ الشرطة فالسؤال الأول للمسؤولين هو هل يوجد أجانب، والسؤال الثانى هل يوجد أمريكيون والثالث أوروبيون والرابع عرب؟! وفى جميع هذه الحالات يتحرك الأمن والطائرات الهليوكوبتر لإنقاذ التائهين. أما إذا كان الركاب مصريين فالموضوع يتخذ أبعاداً أبسط بكثير ويتم توجيه اتهامات لهم بعدم الالتزام بتعليمات الأمان.
كان المصريون فى عهد جمال عبدالناصر يحترمهم ويخاف منهم الجميع، وذهب المدرسون لتعليم أبناء الشعوب العربية، والمهندسون لبناء بلادهم، والأطباء لعلاج مرضاهم، وكانوا يعاملون بمنتهى الاحترام، وفى عهد السادات وفى أحلك أوقات المقاطعة العربية بعد معاهدة السلام كان المصريون محترمين فى كل مكان، وكان الجميع يتكلم عن العبور المصرى العظيم وعن الخصومة مع السادات وليس مع المصريين.
الكارثة التى حلت بالمصريين كان زمانها العقود الثلاثة الأخيرة، وهى الفترة التى يطلق عليها الخبراء فترة الركود والتحلل التى انتهت بكارثة اقتصادية وبيئية وتعليمية وثقافية أخرجت مصر من التاريخ لسنوات طويلة.
الجامعات المصرية التى كانت قبلة الطلبة العرب أصبح لا يدخلها إلا قلة من الطلبة العرب الفاشلين. أصبحت الشهادات المصرية غير معترف بها فى البلاد العربية، الأمر ليس له علاقة بالديمقراطية لأن الديكتاتورية موجودة فى كل الدول العربية، وإنما له علاقة بفشل النظام.
قارنوا بين ما حدث فى ملحمة إخراج عمال المناجم فى شيلى بمجهود دولة من العالم الثالث ووقوف رئيس الجمهورية مع الشعب حتى تم الإنقاذ، وبين ما حدث فى العبارة المصرية التى لم يخرج لإنقاذها أحد