بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس التاسع عشر من دروس الصحابيات الجليلات ، ومع أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ، هي صفية بنت حيي من ذرية نبي الله هارون ، كانت صفية رضي الله عناه شريفة عاقلة ذات حسب وجمال ، ودين وتقوى ، وذات حلم ووقار ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((إن الله اختارني ، واختار لي أصحابي)) ، فمن باب أولى أن يختار له زوجاته ، وزوجات النبي عليه الصلاة والسلام جزء من دعوة الله عز وجل ، فحينما تكون زوجة الإنسان حصيفة ، وعاقلة ، وتبلغ عنه بشكل دقيق فهذا جزء من الدعوة ، لذلك تولى الله بذاته تطهير أهل بيت النبي ، قال تعالى :
(سورة الأحزاب)
فكانت صفية رضي الله عنها شريفة عاقلة ذات حسب وجمال ، وذات دين ووقار ، وحلم وجمال ، تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع من الهجرة ، وكان عمرها سبعة عشر سنة يوم تزوجها صلى الله عليه وسلم ، ولدت رضي الله عنها بعد البعثة بثلاثة أعوام بين قومها يهود خيبر ، ولا تنسوا أن زواج النبي عليه الصلاة والسلام زواج حكمة ومصلحة ، وزواج تأليف قلوب ، وزواج دعوة إلى الله عز وجل .
لقد أسلمت بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذلك أنها كانت من سبايا خيبر ، وقد جعل مهرها عتقها ، تزوجها عليه الصلاة والسلام راغبة مختارة ، ولم يكرهها على الإسلام ، لأن الله عز وجل يقول :
(سورة البقرة 256)
تزوجها مختارة ، وقد دخلت في دين الله طواعية ، لذلك عدت من أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن ، أقامت مدة على دينها ثم أعلنت إسلامها ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا كثيراً ، وفي حديث أنس رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية بنت حيي قال لها : هل لك فيّ ؟ قالت : يا رسول الله قد كنت أتمنى ذلك في الشرك ، فكيف إذا أمكنني الله منعه في الإسلام)).
وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا)) ، فهذه الرواية توضح أن إسلامها كان قبل زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة ، روى عنها ابن أخيها كنانة ، ويزيد ، وعلي ، ومسلم بن صفوان ، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث .
لماذا ينبغي أن تكون زوجة رسول الله عاقلة حصيفة عفيفة طاهرة ؟ لأنها ستبلغ عنه ، النبي طلق امرأة واحدة رآها ضعيفة العقل ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ((أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ لَهَا لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ)) .
(البخاري)
والإنسان من سعادته في الدنيا أن تكون زوجته صالحة عاقلة ، لأن الزوجة المؤمنة ستيرة وعاقلة ستعين زوجها ، والمرأة كما تعلمون لها دور خطير في معونة زوجها على صلاح أمره .
لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة بأحداثها المليئة بالخيرات والبركات ، وأقبلت السنة السابعة بما تحمله من خطوب جسام ، وبزغ هلال المحرم من أول العام ، فتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز الذي كشف لثامه في معركة الخندق ، في معركة الخندق اتضح أن اليهود ماكرون خائنون ، وأنهم يكيدون للنبي عليه الصلاة والسلام ، وما معركة الخندق عنكم ببعيد ، يوم نقض اليهود عهدهم ، وجاء أهل الشرك في الجزيرة يحيطون بالمدينة ليستأصلوا شقفة الإسلام ، وكانت معركة الخندق معركة حياة أو موت ، معركة وجود أو عدم وجود ، والله سبحانه وتعالى نصر النبي عليه الصلاة والسلام وانكشفت نواي اليهود الشريرة ، وانكشف مكرهم وخداعهم ، وهذا ديدنهم منذ قديم الأزمان .
خرج النبي صلى الله عليه وسلم في النصف الثاني من المحرم إلى خيبر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع وقلاع ، تقع على بعد مئة ميل شمال المدينة المنورة (160 كيلو تقريبا) ، من أكبر مدن الحجاز ، ومن أشدها حصانة ، وقوة ومناعة ، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم ألف وأربعمائة مقاتل ، ما بين فارس وراجل ، فلما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر قال لأصحابه قفوا ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا غزا قوماً لم يغز عليهم حتى يصبح ، فلما أصبح رآه عمّال خيبر ، وقد خرجوا بمساحيهم ، وفؤوسهم ، ومكاتلهم يقصدون مزارعهم ، فلما رأوه صاحوا : محمد والخميس ( الخميس هو الجيش له مقدمة ومؤخرة ووسط وميمنة وميسرة ، خمس فرق ) ، ثم ولوا هاربين ، فقال عليه الصلاة والسلام : الله أكبر خربت خيبر ، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .
ثم سار النبي عليه الصلاة والسلام يفتح عقول خيبر وحصونها واحدًا تلو الآخر ، حتى إن حصن ابن أبي الحقيق فتحه ، وجيء بسبايا الحصن ، وفيهم صفية بنت حيي ، إذاً صفية سبية من سبايا أحد حصون خيبر ، ومعها ابنة عم لها جاء بهما بلال رضي الله عنه فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن ، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكت وجهها ، وصاحت وحثت التراب على وجهها ، فقال عليه الصلاة والسلام لبلال : أنزعت الرحمة من قلبك حين تمر بالمرأتين على قتلاهما .
أرأيتم إلى رحمة النبي عليه الصلاة والسلام ، حتى في الأسيرة ، أسيرة أعدائه ، كبر عليه أن ترى امرأة ضعيفة قلبها رقيق قتلى قومها أمامها ، فعنف بلالاً فقال : أنزعت الرحمة من قلبك حينما تمر بالمرأة على قتلى قومها ، وقال لبلال أيضاً ، وكان صفية رأت قبل ذلك ...
هنا هذه السبية بنت حيي زعيم اليهود رأت في المنام أن القمر وقع في حجرها ، وفي رواية رأت الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها ، فذكرت ذلك لأمها ، فلطمت وجهها وقالت : إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب ، هذه الرؤية التي رأتها هذه السبية بشرت بمستقبلها ، هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأت القمر قد وقع في حجرها ، أو رأت الشمس نزلت فوقعت على صدرها .
فلم يزل الأثر على وجهها ، لطم أمها لها بقي فترة طويلة ، حتى أتي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما سألها عنه أخبرته ، فكبرت في نفسه صلى الله عليه وسلم حين سمع منها هذه البشارة التي زفها الله إليها .
يعني أحياناً الإنسان يرى رؤيا واضحة جداً هذه الرؤيا الواضحة هي من عند الله عز وجل ، والرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ، الرؤيا الصالحة طريقة أو هي إعلام الله عز وجل لهذا الإنسان ، يعلمه بشيء ما ، فربنا عز وجل بشرّ هذه المرأة الصالحة التي جعلها من نسل يهودي بأن زوجها رسول الله ، ومن خلال هذه الرؤيا التي رأتها أدركت أمها معنى هذه الرؤيا ، فلطمت وجهها ، وصكته ، وقالت : إنك تمدين عينيك إلى أن تكوني عند ملك العرب ، ولم يبق أثر لطم أمها على وجهها .
فحينما رآها النبي عليه الصلاة والسلام ، وسمع منها هذه البشارة التي زفها الله تعالى إليها واسى آلامها ، وخفف من مصابها ، وأعلمها أن الله تعالى حقق رؤياها .
الآن لما صار النبي عليه الصلاة والسلام على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها فأبت عليه ، فوجد في نفسه فلما كان بالصهباء ، وهو على بريد من خيبر نزل بها هناك فمشطتها أم سليم ، وعطرتها ، وكانت صفية من أضوء ما يكون من النساء ، فدخل صلى الله عليه وسلم على أهله ، فلما أصبحت سألتها عمّا قال لها ، فقالت : قال لي ما حملك على الامتناع من النزول أولاً ؟ فقالت : خشيت عليك من قرب اليهود ، فزادها ذلك عنده منزلة ومكانة .
يعني أرادت أن يبتعد كثيراً عن ديار اليهود لئلا يغدروه ، فكانت حريصة عليه حرصاً شديداً ، هذا الذي ذكره كتاب السيرة .
وفي طريق العودة إلى المدينة تهيأ الركب لملاقاة الأهل والإخوة ، فاستقبل القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالترحاب والإكرام ، وكانت بشائر الانتصارات تزف إليهم حيناً بعد حين .
وقد ذكر ابن سعد من طريق عطاء بن يسار قال : لما قدم صفية من خيبر أنزلت في بيت الحارث بن نعمان ، فسمع نساء الأنصار فجئن ينظرن إلى جمالها ، وجاءت عائشة متنقبة ، المرأة هي المرأة ، فلما خرجت خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أثرها فقال لها : كيف رأيت يا عائشة ؟ قالت : رأيت يهودية ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا تقول ذلك ، فإنها أسلمت ، وحسن إسلامها .
أنا استنبط من هذا أن الإنسان يكون له انتماء معين ، له مشكلة معينة ، وبعد أن يتوب إلى الله ، ويسلم ، وبعد أن يستغفر ينتهي الماضي ، فكلما كنت أقرب إلى الله نسيت الماضي ، وكلما كنت تتحرك بحركة غير صحيحة يثير ماضيك عندك الشيء الكثير ، فإذا كان الإنسان تائهاً أو شارداً ، وتاب إلى الله توبة نصوحاً فينقسم الناسُ قسمين : قسم يريد أن يركز على ماضيه ، وقسم يركز على حاضره ، كلما كنت أقرب إلى الله عز وجل تركز على الحاضر ، وكلما كنت أبعد عن منهج الله تركز على الماضي ، وهذا الشيء يبعث في النفس الألم ، كان الإنسان شاردًا ومخطئًا ، ثم ، تاب ، وأسلم وحسن إسلامه ، وارتقى إلى الله عز وجل لماذا تذكره بهذا الماضي ، لا بدّ أنك تريد أن تثبطه ، أن تضعفه ، أن تذكره بما اقترفت يداه .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس التاسع عشر من دروس الصحابيات الجليلات ، ومع أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ، هي صفية بنت حيي من ذرية نبي الله هارون ، كانت صفية رضي الله عناه شريفة عاقلة ذات حسب وجمال ، ودين وتقوى ، وذات حلم ووقار ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((إن الله اختارني ، واختار لي أصحابي)) ، فمن باب أولى أن يختار له زوجاته ، وزوجات النبي عليه الصلاة والسلام جزء من دعوة الله عز وجل ، فحينما تكون زوجة الإنسان حصيفة ، وعاقلة ، وتبلغ عنه بشكل دقيق فهذا جزء من الدعوة ، لذلك تولى الله بذاته تطهير أهل بيت النبي ، قال تعالى :
(سورة الأحزاب)
فكانت صفية رضي الله عنها شريفة عاقلة ذات حسب وجمال ، وذات دين ووقار ، وحلم وجمال ، تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع من الهجرة ، وكان عمرها سبعة عشر سنة يوم تزوجها صلى الله عليه وسلم ، ولدت رضي الله عنها بعد البعثة بثلاثة أعوام بين قومها يهود خيبر ، ولا تنسوا أن زواج النبي عليه الصلاة والسلام زواج حكمة ومصلحة ، وزواج تأليف قلوب ، وزواج دعوة إلى الله عز وجل .
لقد أسلمت بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذلك أنها كانت من سبايا خيبر ، وقد جعل مهرها عتقها ، تزوجها عليه الصلاة والسلام راغبة مختارة ، ولم يكرهها على الإسلام ، لأن الله عز وجل يقول :
(سورة البقرة 256)
تزوجها مختارة ، وقد دخلت في دين الله طواعية ، لذلك عدت من أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن ، أقامت مدة على دينها ثم أعلنت إسلامها ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا كثيراً ، وفي حديث أنس رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية بنت حيي قال لها : هل لك فيّ ؟ قالت : يا رسول الله قد كنت أتمنى ذلك في الشرك ، فكيف إذا أمكنني الله منعه في الإسلام)).
وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا)) ، فهذه الرواية توضح أن إسلامها كان قبل زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة ، روى عنها ابن أخيها كنانة ، ويزيد ، وعلي ، ومسلم بن صفوان ، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث .
لماذا ينبغي أن تكون زوجة رسول الله عاقلة حصيفة عفيفة طاهرة ؟ لأنها ستبلغ عنه ، النبي طلق امرأة واحدة رآها ضعيفة العقل ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ((أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ لَهَا لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ)) .
(البخاري)
والإنسان من سعادته في الدنيا أن تكون زوجته صالحة عاقلة ، لأن الزوجة المؤمنة ستيرة وعاقلة ستعين زوجها ، والمرأة كما تعلمون لها دور خطير في معونة زوجها على صلاح أمره .
لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة بأحداثها المليئة بالخيرات والبركات ، وأقبلت السنة السابعة بما تحمله من خطوب جسام ، وبزغ هلال المحرم من أول العام ، فتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز الذي كشف لثامه في معركة الخندق ، في معركة الخندق اتضح أن اليهود ماكرون خائنون ، وأنهم يكيدون للنبي عليه الصلاة والسلام ، وما معركة الخندق عنكم ببعيد ، يوم نقض اليهود عهدهم ، وجاء أهل الشرك في الجزيرة يحيطون بالمدينة ليستأصلوا شقفة الإسلام ، وكانت معركة الخندق معركة حياة أو موت ، معركة وجود أو عدم وجود ، والله سبحانه وتعالى نصر النبي عليه الصلاة والسلام وانكشفت نواي اليهود الشريرة ، وانكشف مكرهم وخداعهم ، وهذا ديدنهم منذ قديم الأزمان .
خرج النبي صلى الله عليه وسلم في النصف الثاني من المحرم إلى خيبر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع وقلاع ، تقع على بعد مئة ميل شمال المدينة المنورة (160 كيلو تقريبا) ، من أكبر مدن الحجاز ، ومن أشدها حصانة ، وقوة ومناعة ، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم ألف وأربعمائة مقاتل ، ما بين فارس وراجل ، فلما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر قال لأصحابه قفوا ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا غزا قوماً لم يغز عليهم حتى يصبح ، فلما أصبح رآه عمّال خيبر ، وقد خرجوا بمساحيهم ، وفؤوسهم ، ومكاتلهم يقصدون مزارعهم ، فلما رأوه صاحوا : محمد والخميس ( الخميس هو الجيش له مقدمة ومؤخرة ووسط وميمنة وميسرة ، خمس فرق ) ، ثم ولوا هاربين ، فقال عليه الصلاة والسلام : الله أكبر خربت خيبر ، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .
ثم سار النبي عليه الصلاة والسلام يفتح عقول خيبر وحصونها واحدًا تلو الآخر ، حتى إن حصن ابن أبي الحقيق فتحه ، وجيء بسبايا الحصن ، وفيهم صفية بنت حيي ، إذاً صفية سبية من سبايا أحد حصون خيبر ، ومعها ابنة عم لها جاء بهما بلال رضي الله عنه فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن ، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكت وجهها ، وصاحت وحثت التراب على وجهها ، فقال عليه الصلاة والسلام لبلال : أنزعت الرحمة من قلبك حين تمر بالمرأتين على قتلاهما .
أرأيتم إلى رحمة النبي عليه الصلاة والسلام ، حتى في الأسيرة ، أسيرة أعدائه ، كبر عليه أن ترى امرأة ضعيفة قلبها رقيق قتلى قومها أمامها ، فعنف بلالاً فقال : أنزعت الرحمة من قلبك حينما تمر بالمرأة على قتلى قومها ، وقال لبلال أيضاً ، وكان صفية رأت قبل ذلك ...
هنا هذه السبية بنت حيي زعيم اليهود رأت في المنام أن القمر وقع في حجرها ، وفي رواية رأت الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها ، فذكرت ذلك لأمها ، فلطمت وجهها وقالت : إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب ، هذه الرؤية التي رأتها هذه السبية بشرت بمستقبلها ، هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأت القمر قد وقع في حجرها ، أو رأت الشمس نزلت فوقعت على صدرها .
فلم يزل الأثر على وجهها ، لطم أمها لها بقي فترة طويلة ، حتى أتي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما سألها عنه أخبرته ، فكبرت في نفسه صلى الله عليه وسلم حين سمع منها هذه البشارة التي زفها الله إليها .
يعني أحياناً الإنسان يرى رؤيا واضحة جداً هذه الرؤيا الواضحة هي من عند الله عز وجل ، والرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ، الرؤيا الصالحة طريقة أو هي إعلام الله عز وجل لهذا الإنسان ، يعلمه بشيء ما ، فربنا عز وجل بشرّ هذه المرأة الصالحة التي جعلها من نسل يهودي بأن زوجها رسول الله ، ومن خلال هذه الرؤيا التي رأتها أدركت أمها معنى هذه الرؤيا ، فلطمت وجهها ، وصكته ، وقالت : إنك تمدين عينيك إلى أن تكوني عند ملك العرب ، ولم يبق أثر لطم أمها على وجهها .
فحينما رآها النبي عليه الصلاة والسلام ، وسمع منها هذه البشارة التي زفها الله تعالى إليها واسى آلامها ، وخفف من مصابها ، وأعلمها أن الله تعالى حقق رؤياها .
الآن لما صار النبي عليه الصلاة والسلام على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها فأبت عليه ، فوجد في نفسه فلما كان بالصهباء ، وهو على بريد من خيبر نزل بها هناك فمشطتها أم سليم ، وعطرتها ، وكانت صفية من أضوء ما يكون من النساء ، فدخل صلى الله عليه وسلم على أهله ، فلما أصبحت سألتها عمّا قال لها ، فقالت : قال لي ما حملك على الامتناع من النزول أولاً ؟ فقالت : خشيت عليك من قرب اليهود ، فزادها ذلك عنده منزلة ومكانة .
يعني أرادت أن يبتعد كثيراً عن ديار اليهود لئلا يغدروه ، فكانت حريصة عليه حرصاً شديداً ، هذا الذي ذكره كتاب السيرة .
وفي طريق العودة إلى المدينة تهيأ الركب لملاقاة الأهل والإخوة ، فاستقبل القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالترحاب والإكرام ، وكانت بشائر الانتصارات تزف إليهم حيناً بعد حين .
وقد ذكر ابن سعد من طريق عطاء بن يسار قال : لما قدم صفية من خيبر أنزلت في بيت الحارث بن نعمان ، فسمع نساء الأنصار فجئن ينظرن إلى جمالها ، وجاءت عائشة متنقبة ، المرأة هي المرأة ، فلما خرجت خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أثرها فقال لها : كيف رأيت يا عائشة ؟ قالت : رأيت يهودية ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا تقول ذلك ، فإنها أسلمت ، وحسن إسلامها .
أنا استنبط من هذا أن الإنسان يكون له انتماء معين ، له مشكلة معينة ، وبعد أن يتوب إلى الله ، ويسلم ، وبعد أن يستغفر ينتهي الماضي ، فكلما كنت أقرب إلى الله نسيت الماضي ، وكلما كنت تتحرك بحركة غير صحيحة يثير ماضيك عندك الشيء الكثير ، فإذا كان الإنسان تائهاً أو شارداً ، وتاب إلى الله توبة نصوحاً فينقسم الناسُ قسمين : قسم يريد أن يركز على ماضيه ، وقسم يركز على حاضره ، كلما كنت أقرب إلى الله عز وجل تركز على الحاضر ، وكلما كنت أبعد عن منهج الله تركز على الماضي ، وهذا الشيء يبعث في النفس الألم ، كان الإنسان شاردًا ومخطئًا ، ثم ، تاب ، وأسلم وحسن إسلامه ، وارتقى إلى الله عز وجل لماذا تذكره بهذا الماضي ، لا بدّ أنك تريد أن تثبطه ، أن تضعفه ، أن تذكره بما اقترفت يداه .